ما هو مصير أناس غرست في جذور كياننا آثارها ثم رحلت؟
كيف نعامل ماض ضم في طياته أجمل وأعذب وأقسى ماعرفنا وعشنا؟
ماهي آلية تنفيذ كثير من نصائح الأهل والصحب بالمضي في حاضر يمهد لمستقبل أكثر إشراقا وتوديع ماض داكن؟
كيف ننفض عن جلودنا بقايا عطشة لماض لم يرتوي بعد وننهض بأنفسنا لنمضي في مشوار حياة تبتدأ؟
رحلة وداع الماضي واستقبال الحاضر رحلة وعرة يقطعها كل منا في دروب منتشرة تطول وتفترق لكنها تعود لتجتمع عند مفرق لافتتين لطريقين رئيسيين هما فلسفتين تستحق كل منهما الدراسة وتتحدا كل منهما الأخرى، الأولى تجسد معنى نسيان الماضي وإهماله، والثانية تقع في فكرة احتضان الماضي بثقله ومتاهاته
أولا: فلسفة النسيان
تقوم على قوة القرار وعلى العملية في التفكير وإيداع الماضي بأحلامه المعلقة وأحزانه الغائرة في ركن بعيد من القلب، يبعد عن العقل بعد الزمن بالحاضر عن الماضي. أتباع هذا الفلسفة يجعلون من الإهمال سيدا وحابسا لمشاعر ومواقف مضت في طريقها مع أناس مضوا من حياتهم، فلا يسمحون لاختلاجات الماضي أن تطفوا على سطح الحاضر، فيسود الحاضر نفسه بقرارات تولدها مشاعر تتعلق بخيوط الحاضر وحدة ، كأن ترفض فتاة الاقتران برجل يلائمها لأنه يحمل اسم حبيب راحل. أصحاب هذه الفلسفة أيضا يجعلون من الإصرار على النسيان خادما لأهداف نبيلة في حاضرهم، كأن يتناسى رجلا ماضيه مع حبيبة مضت عنه آملا في أن يسعد مع زوجة رضي بها ورضت به
أصحاب هذا الفكر يتحدون الماضي بشدة رغبتهم في نسيانه والمضي قدما، هم أناس يقسون على أنفسهم ليتمكنوا من الاستمرار في حاضر هو أولى بهم. فلسفة النسيان هي فلسفة تقوى على واقع قسى على من عاشه، وهي سياسة فكرية تهدف إلى ترويض النفس على القبول بواقع يقل ألمه وإن اشتد عن ألم ماض طال بمن عاشه
الألم على ما مضى عند أصحاب فلسفة النسيان هو إحساس مخيب للأمل وجب التخلص منه كما يحدث لعضو عاطل وخرب قادر على أن يفتك بصحة الإنسان مما يوجب بتره عن جسد حامله. فالألم "العاجز" رفيق للشقاء الممتد والطويل الذي يلزم إيقافه عند حدود حاضر يبشر بمستقبل هين ولين. الأمل بالحاضر يفعل بأصحاب هذه الفلسفة فعل الدواء المسكن لألم جروح الماضي، فيكون حاضرهم هو ضماد الجرح الذي يدفن الماضي في طياته حتى لايشعر المرء بألمه، فيخطوا بنفسه القديمة ونفسيته الجديدة في رحلة مستبشرة بخير قادم
ثانيا: فلسفة الاحتواء
هي فلسفة أرق من سابقتها في تعاملها مع الماضي، وهو فكر يتبنى الرفق بحامل تجارب الماضي بأفراحة وآلامه. أصحاب هذه الفلسفة لايريدون أن يقووا على ماض بذلوا فيه ما أوتوا من قدرة على العطاء والتضحية، بل يعتمدون على حبهم للماضي في تطبيب جروحهم، فإذا كانت الأحلام الماضية قد أخذت من النفس ما أخذت من سنين طويلة، وإذا كانت الأماني والطموح والأسماء والأماكن والكلمات تغلفت بغلاف الماضي البعيد، فلا بأس من استحضارها في حاضر يعيشونه مع أناس آخرين، فالحلم بالسعادة هو ذاته، والأمل بهناء العيش هو ذاته، والرغبة بالتوحد مع إنسان بقية العمر هي ذاتها، لذا كان من الأولى بالإنسان أن يصون أحلامه ولاينكرها على نفسه وإن رحل عنه من تبناها معه في يوم ما
يعتقد متبني هذه الفلسفة أن الانسان يخون ذاته عندما يهرب من ماضيه، وأنه بهروبه ذاك يقتل تجربة إنسانية حقيقية خطت به في طريق النمو النفسي والفكري والحسي. المحتوون لماضيهم أناس تعبوا اللحاق بما فات واختاروا استثمار أحلام الأمس في حاضر اليوم، فلا بأس من أن تتزوج فتاة من رجل يحمل سمات الحبيب السابق الجسدية والحسية ما دامت أحبت نفسها في ماض رحل مع الأول وتصافت مع نفسها على أن تحبها في حاضر تعيشه مع الثاني. ولا بأس في زوج اختار أن يرحل بزوجة الحاضر إلى عاصمة طالما اشتاق زيارتها مع حبيبة الماضي، فهو هنا يرى أنه بتحقيقة لجزء من حلم الماضي يطلق صراح رغبات وأحلام حبست نفسها في قمقم "ما فات" حتى أوشكت أن تحبس معها هناء البال وصفاء القلب
أصحاب فلسفة الاحتواء لا يقلون نهما للمضي قدما واستمرارية البقاء عن أصحاب فلسفة النسيان لكنهم يشبعون نهمهم عن طريق تغذية أجزاء من جوع الماضي حتى تترك مجالا لجوع جديد يشتاق تجارب وآمال وأحلام مختلفة مع أناس جدد ومختلفين. المحتوون يؤمنون بأن في إهمال الجوع القديم زيادة في تعذيب النفس فلا تكاد تقوى على الاستمرار في حاضر قد يفشل إذا ما قوبل بقلب محروم ونفس مكسورة وعطر ماض جف على جلد حامله
جروح الماضي العميقة عند المحتوين بحاجة لأن تتنفس هواء الحاضر حتى تشفى، هم أناس يعتقدون بأن في تغطية الجرح وتضميده هروب من ألم الماضي إلى ألم الحرمان من ذاك الماضي، فلا يلعب الحاضر هنا أكثر من دور المتفرج على نزاع مابين الانسان ونفسه التي تقاسمها يوما ما مع من أحب بإخلاص. لذلك فإن المحتوون يدربون أنفسهم على حمل ماض ناقص وإشباع نقصه في حاضرهم بفكر خلاصته: أن يقبلوا بما لايمكن لهم تغييره، وتغيير مافي استطاعتهم تغييره، وامتلاك الحكمة الكافية التي تمكنهم من معرفة حدود قدراتهم عند أعتاب كل من الاثنين
فأي الفلسفتين تتبنى أنت؟
هديل الحويل
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
Unknown said...
Saturday, June 6, 2009 at 2:53:00 AM GMT+3
Nice Hadeel ya36ich alf 3afyaa
waaid 7lwa :-D
mwafeega...
Hessah Almzyona ;)
Unknown said...
Saturday, June 6, 2009 at 2:54:00 AM GMT+3
Hala yal Mazyoona, ey3aafecch ba3ad 3omry wy wafgech enty ba3ad :*
Hadeel said...
Sunday, June 7, 2009 at 8:23:00 AM GMT+3
الموضوع ابكاني بصراحه
لأني من الناس المحتويه للماضي, تذكرت ناس عمري ما تخيلت اني ممكن افقدهم في لحظه, لكن الحمدلله عندي ذكريات اكثر من رائعه عنها و حنان غامرني ليما الحين
بس ما قلتي لنا هدوله انتي اي وحده من الناس عاد؟؟؟؟؟؟؟؟
Unknown said...
Monday, June 8, 2009 at 1:47:00 AM GMT+3
آنه يا صديقتي مثلج من المحتوين حق ماضيهم، ما أحب أصرف أدنى جهد في إني أنساه، آنه شايفة إن ماضينا أهو إحنا أهو تجربتنا الإنسانية متجمعة أهو هويتنا، إن كان الماضي جارح وجب علينا مسامحة نفسنا عليه ونعيش بعدها في سلم، وإن كان جميل شلناه معانا وين ما كنا ومع منو ما كنا عشان حاظرنا يحلى فيه أكثر وأكثر
ومثل ما قلتي، الماضي بكل تفاصيلة يغمرنا بريحته و إحساسة وأثر ناسه
هديل said...
Monday, June 8, 2009 at 8:31:00 AM GMT+3
ana 3n nafsi., mn > المحتوين للماضي
7ta lo il.ma'6i kan mut3ib . bs eb fatra mn il.fatrat kint > happy ! laish ansa il.ma'6i elli kan shay kber 2 me? bl.3aks.. a3eesh 3la il.thekrayaat il.7elwa.. oo il.mura as well.. hatha kfaya 3shan akamil il.7ayat oo at3alam ;D
ya36eech il.3afya bnt 3mi ;*
> ShoMii
Anonymous said...
Wednesday, June 24, 2009 at 6:57:00 PM GMT+3
آه! أخيرا وجدت ما كنت أبحث عنه. احيانا يستغرق الكثير من الجهد للعثور على قطعة صغيرة مفيدة حتى للمعلومات.
Anonymous said...
Monday, December 13, 2010 at 7:58:00 PM GMT+3
أشكر المتابعة وأشكر التعليق على ما قرأت من شتات أفكاري اللاتي لم أنفك ألملمها. أتمنى منك حسن المتابعة كما أتمنى لو توقع أو توقعين بإسم ولو كان مستعارا حتى أعرف لمن أوجه ردي
هديل said...
Thursday, December 16, 2010 at 3:23:00 PM GMT+3