إجتمعت معه أخيرا على أرض كوكبها، كانت دائما تراه في مكانه المريخي، على كرسيه وخلف مكتبه، التقت به مرات ومرات في المكان نفسه الذي عرفته فيه، في المكان الذي ينتمي هو إليه، رأته في مكانه ذاك كبيرا رغم تواضعه، يلاطف فلان ويمازح فلانة، أحبت ظرفه، أدبه وبساطته، ورغم هذا وذاك أحبت عظمته
هو قاموسها، هو كتاب الشعر والفلسفة والطب والرياضة الذي اعتادت على فتحه عند الحاجة ودون حاجة. أكبر من انجذاها الأول إلى هدوءة وسكينته كان انجذابها إلى خيوط حمراء مشتعلة في عيناه الجادتين كلما شاركها همومه السياسية. كانت تشهد حرقة في كلامه وإشارته كلما حدثها عن سياسة بلده، عالمه العربي و أرضه الإسلامية
إنجذبت لذلك كله، وأضافت إلى هذا انجذابا جديدا من نوع آخر هو انجذاب امرأة لرجل. تذكر أول مرة أرادت فيها أن ترتمي في أحضانه وتترك نفسها له يطبع شفتاه أينما شاء على وجهها، تذكر يومها كيف أبصرت فيه حنان الرجل واحتواءه عندما أمسك بطفل صغير في حضورها لأول مرة. كيف حمله، كيف تعامل معه، وكيف احتضنه، كان يقطر رقة وعذوبة، وكم حسدت الصغير على حضن تمنته لنفسها حينها. عندها أدركت إهمالها لما كان دائما مدركا بالنسبة إليها، لكن إدراكها هذه المرة اختلف، هذه المرة مسح الإدراك الابتسامة من على رسم وجهها. زوج هو لامرأة أعطته طفلين هما أقرب إلى ملاكين منهما إلى بشر. كانت في السابق تتجاهل عن دراية ووعي ظروفه الاجتماعية لأنها لم ترد تحميل ضميرها – الذي وصفه هو مرة بأنه صاح جدا – ما ليس له طاقة على حمله
وهكذا ظلت مشاعرها تجاهه تنمو، وظل وجوده في حياتها يتأكد، حتى أضحى يومي الإجازة الرسمية واللذين لم تكن قادرة فيهما على التواصل معه أكره الأيام إلى نفسها
كان يهاتفها هو من المكان الذي يتواجد فيه، في الوقت الذي يختاره أو يقدر عليه، وكانت دائما تلتقي به في مكتب عمله، يتحدثان، يضحكان، يتشاركان الهموم، وكان في ذلك متعة تغذي يومها، حتى التقته في يوم صيفي خارج حيطان ذلك المكتب، لم يكن لقاؤهما هذه المرة أقل ولا أكثر، تحدثا، ضحكا، وتشاركا الهموم كعادتهما، لكنها لسبب ما رأته مختلفا عن نفسه
هل تحالفت أضواء المقهى الذي التقته فيه ليلا مع الشعر الأبيض في رأسه حتى بدا لها عمره أكثر وضوحا؟ هل ذكر أحد المتواجدين في المقهى اسم أحد أبناءه؟ ما الذي استفز فيها فكرتين عجزت عن تهدئتهما، فكرتان تخرس الواحدة منهما الأخرى، هو أب وزوج .. هو أب وزوج
كانت في السابق تتجنب ذكر زوجته أو أحد أبنائه بالسؤال أو التعليق مهما كانت صادقة في سؤالها حسنة في تعليقها، إلا أنها ألفت الفكرة ليلتها. لماذا لم تتضايق للمرة الأولى؟ كانت دائما حقيقة ظروفه تعكر عليها صفو لحظاتها الجميلة معه على الهاتف أوعند لقائها به إلا في لقائها هذا
خرجت من اللقاء وأفكارا محبطة تتسابق إلى ذهنها
أول لقاء لي معه .. أول لقاء ليلي معه .. أول لقاء ليلي خارج مكتبه .. كان لطيفا ودودا كعادته .. كنت دائما تواقة للقاء كهذا .. كنت أخاف أن يزداد تعلقي بهذا الرجل أكثر وأكثر .. لم أتوقع منه ملاطفة كلامية .. لم أرد منه أن يضع على ضميري "الصاحي جدا" عبئا من أي نوع .. لم يفعل .. رأيته أبا .. هو أب فعلا!! ألفت حقيقة كونه أب لأول مرة .. انطفئ شيء ما في نفسي تجاهه .. لاحظت كبر سنه .. لم يرق لي وجودي معه حينها .. لم يعجبني وجودي معه في المقهى .. لم يعجبني "هو" وهو موجود معي في المقهى .. لم ترق لي صورة أولى طبعت لنا في واقعنا معا لا في خيالي أنا وحدي .. اختلف علي الأمر .. بل اختلف علي الأمران واقعه وخيالي .. ألم تكن مشاعري تجاهه حقيقية؟ لم النفور؟ هذه أرض مشتركة بيننا نحن الاثنين .. أرض يختلف هواؤها .. هل اختلف الهواء فعلا أم استنشاقي أنا له اختلف؟ هو نفسه اختلف .. ليس هو ذاته .. ولا أنا ذاتي معه .. لطيفا لازال .. مهذبا لازال .. عميقا لازال .. وكبيرا لازال .. شيئا ما صغر في نفسي أنا لا فيه هو .. شيئا ما حدث في تلك الليلة ولكن ماهو .. ماهو؟
هديل الحويل
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
و بجذي اكون قريت المواضيع كلها. سوري حبيبتي تأخرت عليج بس ما كنت عارفه اشلون ارد اولا, لأنهم اجذبوني حبيت اقراهم و انا بحالة هدوء و نفسيه متشوقه للقراءه.
ماشاءالله عليج يا هديل مبدعه بكلماتج و اسلوبج , بصراحه افتخر بكونج صديقتي
Unknown said...
Monday, June 8, 2009 at 2:20:00 AM GMT+3
mn bdait agra .. shadni il.maqal il.awal.. b3dain il.thani.. then il.thaleth.. oo i couldnt move mn mukani ela wana m5al9a all of them.. there's something yshedni oo ma agdar a5ali il.lap ! ketabatich ta36eeni sh3oor '3reeb.. chenich to9fen la7'6at ana mrait feeha my self!
oo mn ayee a7e6 comment ast7i eni akteb shay ydam a great writer! sam7eeni hadoli ;*
ya36eech il.3afya ;*
> ShoMii [ bnt 3amich ;D ]
Anonymous said...
Wednesday, June 24, 2009 at 7:19:00 PM GMT+3