Blogger Template by Blogcrowds.



لم هو على وجه الخصوص؟
ما هي أسباب حبك له؟
ما اللذي ترينه فيه و ترتأينه؟


أراني "أنا" .. أرى نفسي أومض في عينيه .. أراني وقد استطعت أن أشعل ما انطفئ وخمد

لم تقولين انطفئ؟

عندما يعتاد الرجل على تجاهل حاجته إلى الحب في امرأته رغم وفرة الكثيرات من حوله، يكون أقوى وأصلب، تكون
نار الرغبة في عاطفة الحب لديه قد خمدت، وكان "هو" قد اعتاد على هذا حتى جئت "أنا" وأشعلتها


متعمدة كنت؟


بل جاهلة .. جاهلة


يحبك؟

............

لم يقل؟


لم يفعل


وأنت؟


لم أقل أنا أيضا


كيف ذلك؟


ولم يقول وأقول ونحن نعلم


تكذبين . . فلو كنت تعلمين لما امتنعت عن إجابة سؤالي الأول فيما إذا كان يحبك أم لا


نحن نعلم بأن القول سيخطو بنا إلى الأمام . . وكيف لنا هذا ونحن نتخبط في أماكننا التي نحتلها الآن . . هل ترانى نحتل أماكننا أم هي التي تحتلنا؟


عن ماذا تتحدثين؟ لا أفهمك


عن الأحوال التي نعيشها . . أم تراها تعيش فينا؟


جعل الحب منك فيلسوفة


بل جعلت الفلسفة مني معتوهة . . تتعطل فيها كل وظائف الجسد الحي إلا العقل . . فهو دائم الإجتهاد والإجهاد


وقادرة أنت؟
قادرة على احتمال ما أنت فيه؟
كيف لك احتمال حبس الكلمات؟
كيف بك وأنت ممنوعة عنه ومجبرة على قطيعته؟


لست بقادرة . . لكنني متحملة . . تحتملني دنياي وأحتملها . . تحملني سعادتي وتحرم على قدماي ملامسة الأرض فأغدو مرتفعة بمشاعر الفرح حينا، وأحمل كلماتي الثقال حينا آخر حتى لأكاد أغرس ثقلها في أرض ملؤها الضجيج


أي ضجيج؟


ضجيج أفكاري وانفعالاتي . . رغباتي ونزعاتي اللائي تزاحمن في عقل ونفس عجزا عن فض الزحام أو حتى تنظيمه


ولم كل هذا؟ لأجل ماذا؟


بل السؤال لأجل من


لأجل من يا متعبة؟


لأجلي أنا . . لأجل التجربة التي أعيشها بملئ كياني . . لأجل ساعات أقضيها معه أحتسبها من عمري الصغير . . لأجل رغبة تشاكسني في حضوره


رغبة بماذا؟


به . . بالالتصاق به . . برشف ماء رجولته . . بإشعاله ومن ثم الذوبان بناره . . بالتوحد معه بإحساس وحركة


وإلى متى ستظل تلك الرغبة تشاكسك فقط؟

تتصورين أنك تستطيعين الصيام عن رجل يثير فيك هذا كله؟


صيامي عنه ومعه . . وليس عنه فقط . . فكلانا يصوم


حتى الفطر


ماذا تعنين؟


كلامي واضح . . متى تنطلق مدافع الإفطار؟؟
هديل الحويل



تؤمن كثيرا بسلطة العقل فهي
لا تغضب
ولا تبكي
ولا تحب
عاشت مع أمها، سمعت عن أبيها، وكتبت في أختها. أرادت أن تسجل كلمات تعنيها، أرادت أن تترجم مشاعر تخفيها، ففعلت، وفي يومياتها كتبت، ويوم سفر أختها سجلت


بكيت! بالأمس بكيت وكنت أظن أنني لا أعرف البكاء، كان يغالبني وينهزم، يضايقني وينصرف. لم يكن بكائي يوما أقوى مني، كنت دائما أتفاخر بسلطتي عليه وأسخر منه ومن إرادته الضعيفة المهزومة، فكل ما كان يقوى على فعله حشرجة غبية يبعثها في صوتي وألم بسيط يخلقه في بلعومي إلا بالأمس
بالأمس أثبت البكاء أنه قادر على انتزاع حقوقه من عيون الآدميين كلهم. رأيت البكاء من بعيد أو ظننت أني فعلت،كان ينظر إلي نظرة مشفقة ساخرة وكأنه بنظرته تلك يعلن للناس أن تلك الفتاة مسكينة

سألته: ماذا لو كنت قد أسلمت ضعف نفسي إليك؟

فأجابني: لكنت أحن عليك من ذراع أمك ولما كنت سالبا منك قوتك. عندها اقترب مني وهمس لي بود: أنا صديق يا أنت ولست عدو

كلمات لن أنساها ماحييت كما لن أنسى ذلك اليوم لأنني فيه بكيت


هديل الحويل






بتسلط لم تقبله نفسي الحرة ألزمنا أستاذ مقرر التحرير الصحفي أيام دراستي الجامعية على كتابة مقال خفيف الظل وساخر، ولأن قلمي جاد بطبيعته لا باختياري رفضت، لكنه امتعض وهدد بسحب درجات علمية من رصيدي الفصلي إذا لم أنصع لقراره، فكتبت مقالي التالي أسخر من مجتمع أبى زعماؤه –حتى أصحاب الفكر منهم- إلا أن يتسلطوا، وحاز المقال بعد ما نشر على إعجاب زملاء الدراسة حتى أصبحت أعرف به.


أعرض المقال هنا الآن لفخري به كدليل على حرية قلمي وإنطلاقة فكري وخفة ظلي


في مدينتنا مفكر، سألنا والينا أن نسخر ونتمسخر


فأجبته: يا سيدي، ومن لم تكن له القدرة؟


قال: يتفكر


قلت: وإن لم يستطع؟


قال: سيخسر


فأجبته: يا والينا، السخرية شيء عظيم، وبسببها قد نهين


قال: لا، أنتم أذكى من هذا وأعقل، وأنا بقدرتكم على الحكم أقبل


فقلت: يا والينا، ربما نطرد أو نفصل


قال: نحن في مفكرنا قد نحقق أو نسأل، لكننا أبدا لا نفصل


فسكت، وبأدب انخرست، لكنني لم أقتنع، ولسوف أمتنع، وعن السخرية سأرتدع، حتى تتحول مدينتنا من مفكر إلى "مفكرة"، وحتى يتحول الفعل مسخر إلى "مسخرة

هديل الحويل


جالسين كنا أنا وأنت نشاهد مباريات فريقي برشالونة و ميلان، استفزني اندماجك مع غيري فتحرشت بك وهدفي الفوز بانتباهك لكنني فشلت، وأهملتني .. وتجاهلتني، فهجرت أريكتك بعصبية أطفأتها لمسة من يدك تستبقيني، وشددتني وأجلستني وضممتني إليك بيد واحدة، واستجبت، وبهدوء سكنت إلى ذراعك، وتعجبت لهدوءك رغم حماستك للمباراة

ومكثت هناك بين ذراعك الأيمن وصدرك أردد قصيدة "شؤون صغيرة" في عقلي، ولم أكد أصل إلى البيت الذي يقول فيه قباني


شؤون صغيرة
تمر بها أنت دون التفات
تساوي لدي حياتي
جميع حياتي
حوادث قد لا تثير اهتمامك
أعمر منها قصور
وأحيا عليها شهور
وأغزل منها حكايا كثيرة
وألف سماء
وألف جزيرة
شؤون .. شؤونك تلك الصغيرة

حتى نظرت إلي أنت مبتسما تشيرإلى انتهاء المباراة، وسألتك "هل فاز فريقك؟" فأجبت محولا نظرك عني "لم يخسر!" ولم أسأل أكثر، ولم تطل أنت النظر إلى الشاشة حتى التفت إلي متسائلا عن سر كسلي، فأجبتك ناعسة وأنا أدفع نفسي داخل صدرك أكثر "السر في ساعديك .. فاسألهما"

وبابتسامة شقية قلت لي "أريتك سر ساعدي .. فأريني سحر يديك وأعدي لنا ما نأكله". وقبل أن تبعد ذراعك عني، وقبل أن أترك أنا صدرك نكشت لي شعري ممازحا وساخرا من قصره قائلا "هذا شعري وهذا شعرك .. فما الفرق بيني وبينك الآن .. ها؟"

وبإهمال متعمد نهضت وتركتك وحدك تقلب في جهاز التحكم تبحث عن ما يستحق المتابعة، فإذا بك تستقر على أحد القنوات الخبرية العربية، وأخذت تتابع أحد التقارير الإخبارية عن الانتخابات الأمريكية الجارية

وقتها أحضرت أنا ما كنت قد أعددته لك مسبقا من طعام، وجلست إليك أرقب وجهك وأنتظر منك رأيا فيما تأكل، فإذا بك ترمقني بوجوم ثم قلت "لماذا أحبك إذا كنت لا أفضل شعرك ولا أستلذ طعامك؟"
فانفجرت أنا ضاحكة وقلت لك "لأنني أكثر من هذا وذاك، ولأنك تفضل مني ما ستحرم منه الليلة

أنت: "لن تجرئي

أنا: "بل سأفعل

أنت: "لن أتساهل معك

أنا: "ستفشل

وهممت تمسك بي لكنني فلت منك ضاحكة متوعدة وأنت تقول لي "لا تلعبي بالنار وأنت لست كفؤ لها!" وأنا أضحك حتى أمسكت بي أخيرا مكبلا حركتي من الخلف بضمة من ذراعيك وأنت تهمس في أذني "قولي لا أريد الآن إن كنت تستطيعين.."

كنت أنت
وكنت أن
وكان هذا ... حلمي البارحة



هديل الحويل








ما هو مصير أناس غرست في جذور كياننا آثارها ثم رحلت؟
كيف نعامل ماض ضم في طياته أجمل وأعذب وأقسى ماعرفنا وعشنا؟
ماهي آلية تنفيذ كثير من نصائح الأهل والصحب بالمضي في حاضر يمهد لمستقبل أكثر إشراقا وتوديع ماض داكن؟
كيف ننفض عن جلودنا بقايا عطشة لماض لم يرتوي بعد وننهض بأنفسنا لنمضي في مشوار حياة تبتدأ؟

رحلة وداع الماضي واستقبال الحاضر رحلة وعرة يقطعها كل منا في دروب منتشرة تطول وتفترق لكنها تعود لتجتمع عند مفرق لافتتين لطريقين رئيسيين هما فلسفتين تستحق كل منهما الدراسة وتتحدا كل منهما الأخرى، الأولى تجسد معنى نسيان الماضي وإهماله، والثانية تقع في فكرة احتضان الماضي بثقله ومتاهاته


أولا: فلسفة النسيان

تقوم على قوة القرار وعلى العملية في التفكير وإيداع الماضي بأحلامه المعلقة وأحزانه الغائرة في ركن بعيد من القلب، يبعد عن العقل بعد الزمن بالحاضر عن الماضي. أتباع هذا الفلسفة يجعلون من الإهمال سيدا وحابسا لمشاعر ومواقف مضت في طريقها مع أناس مضوا من حياتهم، فلا يسمحون لاختلاجات الماضي أن تطفوا على سطح الحاضر، فيسود الحاضر نفسه بقرارات تولدها مشاعر تتعلق بخيوط الحاضر وحدة ، كأن ترفض فتاة الاقتران برجل يلائمها لأنه يحمل اسم حبيب راحل. أصحاب هذه الفلسفة أيضا يجعلون من الإصرار على النسيان خادما لأهداف نبيلة في حاضرهم، كأن يتناسى رجلا ماضيه مع حبيبة مضت عنه آملا في أن يسعد مع زوجة رضي بها ورضت به


أصحاب هذا الفكر يتحدون الماضي بشدة رغبتهم في نسيانه والمضي قدما، هم أناس يقسون على أنفسهم ليتمكنوا من الاستمرار في حاضر هو أولى بهم. فلسفة النسيان هي فلسفة تقوى على واقع قسى على من عاشه، وهي سياسة فكرية تهدف إلى ترويض النفس على القبول بواقع يقل ألمه وإن اشتد عن ألم ماض طال بمن عاشه


الألم على ما مضى عند أصحاب فلسفة النسيان هو إحساس مخيب للأمل وجب التخلص منه كما يحدث لعضو عاطل وخرب قادر على أن يفتك بصحة الإنسان مما يوجب بتره عن جسد حامله. فالألم "العاجز" رفيق للشقاء الممتد والطويل الذي يلزم إيقافه عند حدود حاضر يبشر بمستقبل هين ولين. الأمل بالحاضر يفعل بأصحاب هذه الفلسفة فعل الدواء المسكن لألم جروح الماضي، فيكون حاضرهم هو ضماد الجرح الذي يدفن الماضي في طياته حتى لايشعر المرء بألمه، فيخطوا بنفسه القديمة ونفسيته الجديدة في رحلة مستبشرة بخير قادم


ثانيا: فلسفة الاحتواء

هي فلسفة أرق من سابقتها في تعاملها مع الماضي، وهو فكر يتبنى الرفق بحامل تجارب الماضي بأفراحة وآلامه. أصحاب هذه الفلسفة لايريدون أن يقووا على ماض بذلوا فيه ما أوتوا من قدرة على العطاء والتضحية، بل يعتمدون على حبهم للماضي في تطبيب جروحهم، فإذا كانت الأحلام الماضية قد أخذت من النفس ما أخذت من سنين طويلة، وإذا كانت الأماني والطموح والأسماء والأماكن والكلمات تغلفت بغلاف الماضي البعيد، فلا بأس من استحضارها في حاضر يعيشونه مع أناس آخرين، فالحلم بالسعادة هو ذاته، والأمل بهناء العيش هو ذاته، والرغبة بالتوحد مع إنسان بقية العمر هي ذاتها، لذا كان من الأولى بالإنسان أن يصون أحلامه ولاينكرها على نفسه وإن رحل عنه من تبناها معه في يوم ما


يعتقد متبني هذه الفلسفة أن الانسان يخون ذاته عندما يهرب من ماضيه، وأنه بهروبه ذاك يقتل تجربة إنسانية حقيقية خطت به في طريق النمو النفسي والفكري والحسي. المحتوون لماضيهم أناس تعبوا اللحاق بما فات واختاروا استثمار أحلام الأمس في حاضر اليوم، فلا بأس من أن تتزوج فتاة من رجل يحمل سمات الحبيب السابق الجسدية والحسية ما دامت أحبت نفسها في ماض رحل مع الأول وتصافت مع نفسها على أن تحبها في حاضر تعيشه مع الثاني. ولا بأس في زوج اختار أن يرحل بزوجة الحاضر إلى عاصمة طالما اشتاق زيارتها مع حبيبة الماضي، فهو هنا يرى أنه بتحقيقة لجزء من حلم الماضي يطلق صراح رغبات وأحلام حبست نفسها في قمقم "ما فات" حتى أوشكت أن تحبس معها هناء البال وصفاء القلب


أصحاب فلسفة الاحتواء لا يقلون نهما للمضي قدما واستمرارية البقاء عن أصحاب فلسفة النسيان لكنهم يشبعون نهمهم عن طريق تغذية أجزاء من جوع الماضي حتى تترك مجالا لجوع جديد يشتاق تجارب وآمال وأحلام مختلفة مع أناس جدد ومختلفين. المحتوون يؤمنون بأن في إهمال الجوع القديم زيادة في تعذيب النفس فلا تكاد تقوى على الاستمرار في حاضر قد يفشل إذا ما قوبل بقلب محروم ونفس مكسورة وعطر ماض جف على جلد حامله


جروح الماضي العميقة عند المحتوين بحاجة لأن تتنفس هواء الحاضر حتى تشفى، هم أناس يعتقدون بأن في تغطية الجرح وتضميده هروب من ألم الماضي إلى ألم الحرمان من ذاك الماضي، فلا يلعب الحاضر هنا أكثر من دور المتفرج على نزاع مابين الانسان ونفسه التي تقاسمها يوما ما مع من أحب بإخلاص. لذلك فإن المحتوون يدربون أنفسهم على حمل ماض ناقص وإشباع نقصه في حاضرهم بفكر خلاصته: أن يقبلوا بما لايمكن لهم تغييره، وتغيير مافي استطاعتهم تغييره، وامتلاك الحكمة الكافية التي تمكنهم من معرفة حدود قدراتهم عند أعتاب كل من الاثنين


فأي الفلسفتين تتبنى أنت؟



هديل الحويل


أختاه، يغمرني إحساس عميق وداكن بأنني سأموت وأنا ألد صغيري. لايخيفني إحساسي بقدر مايربكني، فأجدني أخطط للأشهر المقبلة منعلى أساس أنني مفارقة الحياة قريبا. لاأخاف الموت فهو راحة، ولم أعشق الحياة يوما، فطبيعتي المظلمة قليلا ونفسي الحساسة كثيرا ووفرة المدعين من حولي يحولون دوني ودون رؤية أكثر إشراقا للعالم. لذلك أختار أن أسجل لك وصية لإنسان أنا أكيدة بأن فراقي سوف يشقيه (هو صغيري\صغيرتي

في بادئ كلامي أريد أن أؤكد على أنني أرغب لطفلي أن يكون في حضانة أمي حتى يبلغ سنته الأولى فأمي وحدها قادرة على إعطاءه حنانا وحسا يكمل بهما ماشاء الله له من عمر، لكن أمي كبرت، وأخذنا منها نحن والسنون أجمل ما أعطت فأضحت على حال تستحق فيه أن تأخذ لا أن تقدم أكثر. لذلك أريد لطفلي أن يؤول إليك بعد سنته الأولى فأنت وحدك أهل لثقتي وأنت أقوى وأصدق وأشجع من عرفت من نساء. فأوصيك يا أختاه بطفلي الذي لا أئتمن عليه روحا غير روحك المحبة لأختك الصغرى، إرعيه وربيه كما كنت أنا سأفعل. ولأنك أقرب الناس إلى بيئتي وأعلم الناس بظروف نشأتي وأفهم الناس برغباتي وأكثر الناس دراية بما كنت سأحب لطفلي أن يكون، لأنك هذا كله كان لك وحدك أن ترعيه، فأحبيه يا أختي فهو بعض مني عندك، على أنني أتمنى أن يستقي منك بعضا من فرحك وإقبالك على ما تلون في الدنيا بألوان عجزت عينا أختك عن رؤيته

أختاه، إزرعي في طفلي ثمار الحرية، إسقه بعضا من تمرد أمه الفكري وأخبريه أنه لا يوجد سقف لسماء الفكر ولا رادا للعقل عن طرق كل باب. علميه أن أمه عاشت حرة في رأسها وإن شاءت ظروف نشأتها في مجتمع كمجتمعها أن لا تتمتع بنفس القدر من الحرية في عيشها، إلا أنها كانت دائما ترى نفسها حرة وهي تختار حاضرها وترسم طريق مستقبلها بوحي من قناعاتها وحدها لا بقناعات تعرض أو تفرض عليها. فقرأت في العقيدة وفكرت وقرأت في الفلسفة وفكرت وقرأت في التاريخ وفكرت وقرأت في الاجتماع والنفس والحب والأدب وفكرت حتى تكونت عندها قاعدة فكرية تسكن إليها متى احتاجت

أختاه، إروي طفلي بمياه العطف والحب. فمتى كبر قلب المرء فينا صغرت احتياجاته إلا عن حاجة واحدة (هي الحب). بالحب وحده يكون طفلي إنسانا لا رجلا أو امرأة فقط، بالحب يكبر ويعلى حتى لايكاد يلمس الفضاء، بالحب وحده سيجد سببا يعيش لأجله. علميه أن الحب شرف وجب على حامله أن يحفظه، والحب وسيلة يجمل ويكمل الإنسان فيه عمره لاغاية، فحين يتحول الحب إلى غاية يفقد الإنسان هناء العيش وراحة البال. أخبري طفلي أن أمه عاشت بحب ماعاشت، وأنها لم تكن لتعيش لولا أنها أحبت. وإن كان صغيري (طفلة أنثى) فأخبريها أن حب الأهل ينبوع يحفظ لها استمرارية قدرتها على حب نفسها ومن أحبت من الجنس الآخر، وإن جف ينبوع حب الأهل عند أي فتاة واختارت أن تهمش إحساسها بأهلها، عجزت عن إصلاح شأنها في حبها فباتت متخبطة المشاعر عاجزة عن صون حبها ونفسها مع من يستحق. وإن كان صغيري (طفل ذكر) فأخبريه بأن الحب وليس غير الحب يستطيع أن يقويه على هم العيش ووحشة الطريق. أخبريه أنه بالحب يفهم ويقدر ويتحمل، وبأن رجل دون حب كمبنى خرب لاتسكنه إلا الهواجس والأفكار. على أن يبدأ بحب ربه في أهله أولا وحب الله في الناس فلا يتسلى بقلب امرأة يوما ولا يقوى على ضعف أحد أبدا. وإن أقبل صغيري يوما على الزواج فقابليه بوصية واحدة: أن يختار بقلب محب وعقل نير، وإن أشار عقله عليه وعارض إحساس قلبه، كان خير له أن يأخذ برأي عقله لأن القلب متحول وجامح يضر بتحوله وجموحه والعقل موجود لترويض القلب وإيثار المصلحة على الضرر، على أن يرجح عقله هو أولا ثم عقل من استوثق من ناس

أختاه، علمي صغيري أن الصداقة دعامة للنفس ومسند للهم و صلة مع الغير. أخبريه أن صداقات أمه بدأت بالكم وانتهت بالكيف، فكان لها أن تصادق أناس عدة كشفتهم الظروف وعرتهم الأيام حتى بان منهم مابان. وعلى الرغم من الخديعة والإدعاء والتمصلح والتقلب لم تزل أمه مقبلة على صداقات أثبتت نفسها ووثقت عامودها في قلب أمه فكانوا هم أصحاب القلب والعقل والنفس. تلجأ لبصيرة عقلهم وتحتمي بدفئ كلامهم من قيظ الألم ووحشة الروح. فليعلم صغيري أن الأهل والحب وعلاقات العمل لا تغني الإنسان عن صاحب يقويه على ضعف نفسه وقسوة الحياة

أختاه، إجعلي من العمل أساسا تبنى عليه شخصية صغيري فليدرك منذ أن يدرك أن العمل يسد الحاجة ويرد العوز وبأن الطموح في العمل يضمن للإنسان حسن البقاء. فدعيه يا أختي يعمل من أجل نفسه وأهله، ويساعد في ترتيب شأنه وشأن أسرته بدءا من ترتيب السرير وهو صغير وانتهاء بتأمين مؤونة الأهل وهو كبير. أخبريه أن بالعمل وبالاختلاط بالناس يفهم الإنسان حدود طاقاته فيقوى على ماهو أصعب من مهام أو يرضى بحسن إتقانه لعمله ويقف عنده. المهم أن يعمل ويبحث عن عمل آخر ويعمله حتى يجد نفسه في مهنة وجدت له أو وجد هو لها. قولي لصغيري أن أمه لم تكره بقدر ما كرهت الفراغة من العمل، فالفراغ يقتل الرضى عن الذات ويثير النفس على النفس فيهم الإنسان بتمرير وقته بما لاينفعه وغيره أو قد يضره وغيره في أحيان كثيرة. أما النفس العاملة فتهوى الراحة وتقدر الطمأنينة لحاجتها إليها بعد طول جهد

أختاه، أحبك لصبرك ولجهدك في محبتنا ورعايتنا نحن أسرتك وصغيري إن شاء الله له البقاء من دوني لن يكون تعيسا لفقداني بقدر يفوق سعادته بحاضنة لوليد أختها وفاطمتة عن ذل فقدانه لأمه

هديل الحويل


توفي راشد عن شريكة روحه أمل بعد رحلة علاج مرهقة تخللها فراق طويل ورحلات متكررة لمستشفى لعلاج السرطان في العاصمة الإنجليزية لندن. هذه رسالتي إلى صديقة خطوت بها يوما ما في أظلم ممرات روحي وأصفاها نورا. هذه رسالتي إلى أمل أعزيها في فقيدها راشد وفي ثماني سنوات ظنت أمل أنها استثمرتها بري جذور أسرة تجمعها براشد، لكن ري زرعها توقف مع خبر وفاته، وتسرب الماء من يد عمرها الباقي حتى باتت يدها خالية عن إعطاء شيء لأحد . . حتى أنا

صديقتي أمل
لا أدري إن كنت أفضل أن أناديك ب (أملي) أم (أمله)، فكلما هممت بكتابة كلمة (أملي) أحسست بعتب راشد يغتال يدي وكأنه يستوقف قلمي ويسترضيه أن يستمر في إعلان حقيقة أنك لاتزالين أمله هو، فلا تملك يدي وهي تمسك بقلمها إلا أن تحول الكلمة إلى (أمله). لكنني أعود وأشعر بأن لي فيك حق لا يستطيع حتى راشد بعتابه الموجع أن يحرمني منه، ففكي لي هذا اللغز يا صديقتي واسترضي من شئت فينا، فكلانا راض لأن كلانا أحبك بمقدار اختلفت مكاييله وتشابهت ماهياته، فقد كنت أمله في دنيا خلت من الحب حتى استاحشت، وكنت لي أملي في دنيا ضاق بها الأصحاب وضاقت بهم حتى تسربوا واحدا تلو الآخر ولم يبق لي فيها كثيرون

صديقتي
هل تذكرين حين كنت أحدثك عن الحزن؟ كنت أشرحه لك، أقربه منك، وأدعوك للتعرف إليه واحترام طاقاته، كنت أخشى في نفسي يوما تضعك الدنيا في مواجهته فتعجزين عن فك رموز ملامح ذلك الحزن فتغمرك مشاعر الوحدة ويعلو دنياك رماد اللون الأسود
كنت أخاف منك عليك، فقوة الإنسان منا كطوق من الحديد صعب أن تكسره هزائم الدنيا، لكن سهل أن يلتف حول مشاعر المرء فينا حتى لا يكاد يفارقه إلا وهو يسحب معه سعادة ذلك الشخص ورجاؤه في الحياة

أنا قبلك عرفت الحزن وألفته، لم يحزنني فقداني لأب لم أستشعر حنانه بقدر ما أحزنني جرح أم تحممت بحنانها حتى كدت أغرق ولم أزل ظمآنة له. كان النظر إلى أمي بقوتها .. بعظمتها .. بشجاعتها .. بحبها .. بدفئها .. برائحة الألفة تفوح من جلدها هو بحد ذاته مصدر حزن لي
تعرفت على الحزن لأول مرة في حضن والدتي، فكانت هي صاحبة الفضل في أن ألفت الحزن، فلم يعد يخيفني ظله. حبيبة هي أمي ووفية .. كبيرة هي أمي ومخلصة.. كريمة هي أمي وحنونة .. مجروحة هي أمي وحزينة
عند لوحة لدموع أمي التي ما فارقني رسمها منذ انحدرت في عام 1991 تشكل رسم حياتي أنا. عند تلك اللوحة التي أطرها ثقب في الباب كان هو نافذتي على حجرة أمي، وفي تلك الليلة التي ظهرت لي فيها أمي أرق من وردة فارقها عبيرها ولم تفارقه، في ذلك اليوم من ذاك الشهر وفي تلك السنة استنشقت عطر الحزن يفوح من دموع أمي، وأحببت الحزن لأنه منها، وقطعت على نفسي عهدا بأن لا أصرف في حياتي جهدا لطرد الحزن من دنياي، بل سأفتح له أبوابي وأستقبله بصدر فيه بعضا من قوة وعظمة وشجاعة أمي

صديقتي
أقاسمك بعضا من أحزان حياتي، وأستجديك بحق حزننا على فقدان راشد أن تخلقي للحزن مكانا في نفسك
لا تعذبي الحزن بك ولا تعذبي نفسك به، فحق الحزن "كموجود" أن يتنفس بعضا من سعادتنا كي يعيش، فدعيه يعيش، لأنك بقتلك له ستقتلين آخر أثر تركه لك راشد قبل رحيله، فقد رحل راشد لكنه استأمن عندك ما بقي في حقيبة سفره الأخير، حقيبته التي كانت تحمل الخوف والحزن والألم، فكان رحمه الله وعطر مثواه محبا لك في رحيله عنك حتى أخذ معه الخوف والألم وترك لك الحزن وحده
الحزن بعض من راشد عندك، فاحتضنيه، واسترضيه، وآمني بقدرته، ولا ترفضيه بدموعه ونحيبه وعويله

لن تكون هذه آخر رسالة أكتبها لك بخط يدي، فلقد آثرت المخطوط عن المطبوع لأنني أؤمن بأن في الخط حس لا تعجز عينا صديقتي عن لمسه وشمه

أحبك . . أسجلها تحت عامود ضوء أصفر وظلال شجرة خريفية مصبوغة بحرقة الأحمر

من حمامتك التي لن تكف عن هديلها طالما بقي فؤادها في جناحيها . . هديل

الولايات المتحدة الأمريكية
3- نوفمبر- 2005
9:35 مساء


هديل الحويل


الكلمة يد
الكلمة رجل
الكلمة باب
الكلمة نجمة كهربية في الضباب

تلك كلمات أغنية "محمد منير" في مقدمة برنامج محمود سعد (البيت بيتك) على الفضائية المصرية


الكلمة عشقي الأول، آمنت بإعجازها منذ فهمي لمعناها. علاقتي بالكلام أصيلة زاد من قوة رباطي بها حرماني منها في فترات طويلة من

عمري القصير. فعندما كنت طفلة تأخر بي النطق عن إخوتي وباقي أبناء عمري. لم تترك والدتي طبيب متخصص إلا وطرقت بابه، راجعت طبيب الأنف والحنجرة، وطبيب الأذن والسمع، وطبيب النطق، وطبيب النفس، كلهم أجمعوا بانتفاء وجود سبب عضوي أو خلل نفسي يمنع نطقي، وبأن تأخري ليس له دلالات محددة

وفي ظهر يوم وأنا في عمر الثالثة جلسنا أنا واخوتي أرضا بمنزلنا الكبير نحيط بأمي وأبي وجدتي على سفرة الغداء، وإذا بالجميع يتفاجأ من طلاقتي في التعبير ووضوحي في الكلم عندما أعلنت لأمي عن رغبتي بصلصة الطماطم (الدقوس) وسكت. وارتسمت إبتسامة تعلوها ملامح الدهشة على وجه أمي، وجلجلت ضحكة أبي الغرفة صائحا بصوت أرجفه شهيق القهقهة وزفيرها : "تلك هي ابنتي، ألم أقل لك يا أمها؟"

وتكلمت هديل، لكنها –برواية الكل- لم تبالغ باستخدام الكلم، فكان قولها نادرا إنما بليغا معبرا. وغاب والد هديل عن الحياة وهي في سن الثامنة بإثر سكتة قلبية في صباح يوم رمضاني، وانطفأ مع غيابه ضوء لسانها وغابت فصاحة قولها. وبدأت رحلة البحث عن متخصصين آخرين في الأنف والحنجرة، والأذن والسمع، والنطق والنفس بلا عائد، واستمرت طفلة الثمان سنوات تعاني من مشاكل في النطق حتى بلغت الرابعة عشرة من العمر. رفضت هديل أن تجيب جهاز الهاتف طوال تلك السنوات وما تلتها من سنوات قليلة، لم تكن تشتبك مع قريباتها وزميلاتها بحوارات طويلة قد تجهد نفسها الضعيف ونفسها الحساسة، لم تكن تسجل درجات دراسية جيدة في مادتي اللغة العربية والثقافة الدينية لعجزها عن تلاوة قصائد اللغة وسور القرآن. وباتت التأتأة أحد ملامح شخصية البنت حتى سمعتها والدتها خلسة عنها ترتل القرآن وتجوده تجويدا دمعت له عينا أمها التي أذهلها جمال الصوت وإتقان اللفظ وحسن الأداء

وعليها، بدأت رحلة جديدة لإقناع هديل بتلاوة كلام الله على مسمع إخوتها، ومن ثم كبار أفراد العائلة، ومن ثم كبار مدرسات المدرسة، ومنها إلى تلاوة القرآن في إذاعة المدرسة الثانوية صباح كل يوم، ومنها إلى المشاركة في مسابقة حفظ وتجويد القرآن لمدارس الثانوية فازت فيها هديل بالمركز الثاني على مستوى مدارس الدولة. وعنها استعادت هديل قدراتها اللفظية وثقتها النفسية شيئا فشيئا فوجدت في تلاوة قرآن الله صاحبا لوحشة لسان لم يجد –منذ سنين- ما يستحق أن يقال

ومنذ تلك السن وحتى هذه، تكلمت هديل بقناعة : "ألا تقول مالا يستحق أن يفهم"، والتزمت أمام كتاب الله أن لا تسيء استخدام نعمة هي من أكثر الناس تقديرا لها لحرمانها منها سنين طالت بها هي وحدها
وما أجمل الكلمة حين تفهم ببلاغتها، وحين تحس بمعناها، وحين تصان بهدفها فلا تصيب إلا من جذبها لنفسه. تكون قاسية فتوقع جرح السلاح في النفس، وتكون هينة لينة فتأتي بأثر الدواء بعد طول داء، شرط أن تكون في حالتيها (صادقة) و (حقيقية) يقصد بها (عدل) لا إفتراء)


هديل الحويل



إجتمعت معه أخيرا على أرض كوكبها، كانت دائما تراه في مكانه المريخي، على كرسيه وخلف مكتبه، التقت به مرات ومرات في المكان نفسه الذي عرفته فيه، في المكان الذي ينتمي هو إليه، رأته في مكانه ذاك كبيرا رغم تواضعه، يلاطف فلان ويمازح فلانة، أحبت ظرفه، أدبه وبساطته، ورغم هذا وذاك أحبت عظمته

هو قاموسها، هو كتاب الشعر والفلسفة والطب والرياضة الذي اعتادت على فتحه عند الحاجة ودون حاجة. أكبر من انجذاها الأول إلى هدوءة وسكينته كان انجذابها إلى خيوط حمراء مشتعلة في عيناه الجادتين كلما شاركها همومه السياسية. كانت تشهد حرقة في كلامه وإشارته كلما حدثها عن سياسة بلده، عالمه العربي و أرضه الإسلامية

إنجذبت لذلك كله، وأضافت إلى هذا انجذابا جديدا من نوع آخر هو انجذاب امرأة لرجل. تذكر أول مرة أرادت فيها أن ترتمي في أحضانه وتترك نفسها له يطبع شفتاه أينما شاء على وجهها، تذكر يومها كيف أبصرت فيه حنان الرجل واحتواءه عندما أمسك بطفل صغير في حضورها لأول مرة. كيف حمله، كيف تعامل معه، وكيف احتضنه، كان يقطر رقة وعذوبة، وكم حسدت الصغير على حضن تمنته لنفسها حينها. عندها أدركت إهمالها لما كان دائما مدركا بالنسبة إليها، لكن إدراكها هذه المرة اختلف، هذه المرة مسح الإدراك الابتسامة من على رسم وجهها. زوج هو لامرأة أعطته طفلين هما أقرب إلى ملاكين منهما إلى بشر. كانت في السابق تتجاهل عن دراية ووعي ظروفه الاجتماعية لأنها لم ترد تحميل ضميرها – الذي وصفه هو مرة بأنه صاح جدا – ما ليس له طاقة على حمله

وهكذا ظلت مشاعرها تجاهه تنمو، وظل وجوده في حياتها يتأكد، حتى أضحى يومي الإجازة الرسمية واللذين لم تكن قادرة فيهما على التواصل معه أكره الأيام إلى نفسها

كان يهاتفها هو من المكان الذي يتواجد فيه، في الوقت الذي يختاره أو يقدر عليه، وكانت دائما تلتقي به في مكتب عمله، يتحدثان، يضحكان، يتشاركان الهموم، وكان في ذلك متعة تغذي يومها، حتى التقته في يوم صيفي خارج حيطان ذلك المكتب، لم يكن لقاؤهما هذه المرة أقل ولا أكثر، تحدثا، ضحكا، وتشاركا الهموم كعادتهما، لكنها لسبب ما رأته مختلفا عن نفسه
هل تحالفت أضواء المقهى الذي التقته فيه ليلا مع الشعر الأبيض في رأسه حتى بدا لها عمره أكثر وضوحا؟ هل ذكر أحد المتواجدين في المقهى اسم أحد أبناءه؟ ما الذي استفز فيها فكرتين عجزت عن تهدئتهما، فكرتان تخرس الواحدة منهما الأخرى، هو أب وزوج .. هو أب وزوج
كانت في السابق تتجنب ذكر زوجته أو أحد أبنائه بالسؤال أو التعليق مهما كانت صادقة في سؤالها حسنة في تعليقها، إلا أنها ألفت الفكرة ليلتها. لماذا لم تتضايق للمرة الأولى؟ كانت دائما حقيقة ظروفه تعكر عليها صفو لحظاتها الجميلة معه على الهاتف أوعند لقائها به إلا في لقائها هذا


خرجت من اللقاء وأفكارا محبطة تتسابق إلى ذهنها
أول لقاء لي معه .. أول لقاء ليلي معه .. أول لقاء ليلي خارج مكتبه .. كان لطيفا ودودا كعادته .. كنت دائما تواقة للقاء كهذا .. كنت أخاف أن يزداد تعلقي بهذا الرجل أكثر وأكثر .. لم أتوقع منه ملاطفة كلامية .. لم أرد منه أن يضع على ضميري "الصاحي جدا" عبئا من أي نوع .. لم يفعل .. رأيته أبا .. هو أب فعلا!! ألفت حقيقة كونه أب لأول مرة .. انطفئ شيء ما في نفسي تجاهه .. لاحظت كبر سنه .. لم يرق لي وجودي معه حينها .. لم يعجبني وجودي معه في المقهى .. لم يعجبني "هو" وهو موجود معي في المقهى .. لم ترق لي صورة أولى طبعت لنا في واقعنا معا لا في خيالي أنا وحدي .. اختلف علي الأمر .. بل اختلف علي الأمران واقعه وخيالي .. ألم تكن مشاعري تجاهه حقيقية؟ لم النفور؟ هذه أرض مشتركة بيننا نحن الاثنين .. أرض يختلف هواؤها .. هل اختلف الهواء فعلا أم استنشاقي أنا له اختلف؟ هو نفسه اختلف .. ليس هو ذاته .. ولا أنا ذاتي معه .. لطيفا لازال .. مهذبا لازال .. عميقا لازال .. وكبيرا لازال .. شيئا ما صغر في نفسي أنا لا فيه هو .. شيئا ما حدث في تلك الليلة ولكن ماهو .. ماهو؟


هديل الحويل

Newer Posts Home